بعد سنوات من محاولات إظهار قانون قيصر، وكثير من العراقيل التي وضعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كثمن لاتفاقه النووي المشؤوم مع إيران، وبعدها العراقيل بسبب الروتين في نظام عمل المؤسسات الأميركية، وبجهود كبيرة من طرف مجموعة من السوريين العاملين في الشأن الإنساني والحقوقي، وبعيدًا من مؤسسات المعارضة السورية المعروفة، ومن دون جهد يُذكر من طرف هذه المؤسسات؛ صدر القانون قبل أيام، وبدأت مع صدوره مجموعة من المخاوف أن تبلغ آثاره السلبية المواطن السوري العادي الذي تقطعت به السبل في الداخل السوري، فيما أبدى كثيرون تفاؤلهم بأن يكون هذا القانون بداية النهاية لمعاناة السوريين التي طالت كثيرًا.
إن تطبيق القانون وآليات تطبيقه هي بمستوى أهمية صدوره، حيث يُعدّ القانون -بحسب الخبراء- أقوى وأشمل قانون عقوبات في تاريخ العقوبات الأميركية، ضد أي طرف أو دولة، وتطبيقه سيكون عبر وزارة الخزانة الأميركية ووزارة الخارجية والكونغرس، حيث يجب على الإدارة تقديم تقارير دورية للكونغرس بخصوص مستجدات التنفيذ، والقانون عمره خمس سنوات قابلة للتجديد، ولا تستطيع الإدارة التلاعب به أو إلغاءه، وهو مقيد لكل الإدارات بعد صدوره، وللاطلاع أكثر على هذا القانون، قمنا برصد آراء بعض المهتمين بالشأن العام السوري، وسألناهم عن آرائهم بهذا القانون:
قال رياض نعسان آغا: “يرى المشرعون الأميركيون أن قانون سيزر هو للحماية المدنية ومساعدة الشعب السوري في الضغط على النظام، كي يتجه بجدية إلى الحل السياسي، ومن المهم أن نتأمل الحالات التي بوسع الرئيس الأميركي أن يتوقف فيها عن فرض العقوبات الواردة في هذا القانون، فهو يطالب النظام بتحقيق جملة قضايا منها:
– أن تتوقف حكومات سورية وروسيا وإيران عن قصف المدنيين بأسلحة تقليدية أو كيمياوية أو حارقة أو براميل أو متفجرات، وعن حصار المدنيين، وألا تقوم بقصف متعمد للمشافي والمدارس والمناطق السكنية.
– أن تتوقف روسيا وإيران عن تقديم مساعدات عسكرية للنظام السوري.
– أن تطلق الحكومة السورية سراح جميع السجناء السياسيين، وأن تسمح لمنظمات حقوق الإنسان بإجراء التحقيقات، وتوفير مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سورية، وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام.
وأعتقد أن بوسع الحكومة السورية ببساطة أن تنفذ هذه المطالب، وأن تتجنب أخطار قانون سيزر، وأن تجنب الشعب السوري في الداخل والخارج تداعياته الكارثية على الاقتصاد الوطني”.
من جهة ثانية، قال فاروق طه: “كثر الحديث، في الأسابيع القليلة الماضية، عن دلالات ومآلات قانون سيزر، وهنا أحرص ألا أقع في فخ التكرار لكل ما قيل ويقال عنه، وهو يراوح بين التفاؤل المفرط والتشاؤم المجحف، ولعلي أتوقف بإضاءة سريعة عند بعض المحطات التي أراها مهمة:
– القانون -بلا شك- طعنة نجلاء في خاصرة النظام الغاشم، بل هو ضربة قوية على رأسه. لكنها ليست مميتة.
– يقتضي التنويه بالجهود الكبيرة التي قامت بها الجالية السورية، منظماتٍ وأفرادًا، من أجل تمرير القانون وإصداره، ولعل جالياتنا المنتشرة في كل أصقاع العالم تأخذ من ذلك المثال والقدوة. والسوريون إذا أرادوا فعلوا.
– القانون لا ينصب فقط على معاقبة النظام، بل يشمل داعميه روسيا وإيران، وهو رسالة تحذيرية لهما بأن ما بعد القانون ليس كما كان قبله.
– يجب عدم التصرف وفق صيغة (صدر القانون واسترحنا)! بل يتعين القيام بمتابعة جادة لسيرورة ومآلات تطبيق القانون. وإيجاد مرصد فاعل ونشط لهذه الغاية، يتولى الاتصال والتنسيق مع الجهات المولجة بتطبيق أحكامه.
– أخيرًا، لا أرى، كما أشرت في البداية، أن ثمة داعيًا للإسراف في التفاؤل، فلا بد من انتظار نتائج وجدية التنفيذ على الأرض؛ فكثير من القوانين يبقى فقط في (الجريدة الرسمية) ويوضع على الرفوف العالية، وكثير منها أيضًا تعترضه مطبات السياسة ومداخلها ومخارجها، ويغدو ضروريًا هنا أن نشير إلى أن القانون يخضع في للسلطة التنسيبية للرئيس الأميركي، وهنا شؤون وشجون!”.
وقال أسامه القاضي: “إن توقيع قانون سيزر يعني -اقتصاديًا- توسيع دائرة الحظر والعقوبات الاقتصادية، من بعض أفراد الحلقة الضيقة للنظام السوري ومؤسساتهم، إلى أي مؤسسة غير سورية يشتبه في أنها تساعد النظام السوري اقتصاديًا، بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن ضمنها الشركات التي لديها رغبة في إعادة إعمار بعض المناطق”.
وأضاف: “خلال أقل من ستة أشهر، وبمجرد تصنيف المصرف المركزي السوري أنه يقوم بعمليات غسل الأموال، فإن أي بنك يتعامل مع المصرف المركزي السوري سيعرّض نفسه للحظر والعقوبات التي قد تكلف البنوك حياتها في السوق. لو تصورنا -مثلًا- أن بلدًا ما أحبّ دعم الليرة السورية، فوضع وديعة مالية لدعم العملة السورية؛ فسيكون البنك المركزي لذلك البلد تحت طائلة العقوبات وتجميد الأرصدة، وسيعد أن البنك المركزي لذلك البلد قد ساهم في غسيل أموال، وستقاطعه دول العالم، وتفرض عليه غرامات وعقوبات وتجمّد ودائعه ومعاملته في بنوك العالم، وقد يؤدي هذا إلى انهيار العملة الوطنية لذلك البلد”.
وتابع: “الإجراءات باتت أكثر صرامة من قبل، وباتت القانون قانونًا أميركيًا حاز موافقة مجلسي الكونغرس والشيوخ من الحزبين، وبعدها توقيع رئيس أعظم دولة في العالم، وأي (تذاكٍ) و(حذلقة) من قبل بعض الأفراد أو المؤسسات أو حتى الدول، سيكون مكلفًا للغاية، سواء أكانت هذه مشاركة هزيلة في (معرض) أو (مشروع إعمار) أو (وديعة) أم أي شكل آخر من أشكال الدعم”.
وقال جهاد مقدسي: “يعدّ القانون انتصارًا لأهالي الشهداء، وانتصارًا إنسانيًا ضد الدولة العميقة وأجهزة الأمن في سورية، والضغط الأساسي يكمن في عاملين:
– قوننة العقوبات أي أنها قانون، وليست خيارًا انتقائيًا، ويمكن عند تجاهل أمرٍ ما أن يتم إجبار أي إدارة عبر القضاء على تطبيق العقوبات.
– ضغط موجه أساسًا للقطاع الخاص الروسي والصيني والخليجي الذي يلهث وراء حصة في مشاريع إعادة الإعمار.
وللتوضيح أكثر أقول: إن الرئيس الروسي بوتين سيكون بعد تطبيق هذا القرار في حالة تأمل حول مستوى أهمية عائلة الأسد بالنسبة إليه، لكي يخسر كل الأموال التي ينتظر الحصول عليها بشكل غير مباشر عن طريق استثمارات رجاله في القطاع الخاص، ولا بد من الإشارة إلى أن أوروبا تحذو دائمًا حذو أميركا، وبذلك فإن صدور هذا القانون هو توثيق أميركي كامل للجريمة، وأوروبا ستعيد تفعيل الضغط الاقتصادي والمالي، لأنها ستكون محرجة إن لم تفعل”.
أما محمد صبرا، فقال: “تكمن أهمية قانون سيزر لحماية المدنيين السوريين، بأنه ربما يكون العمل الأكثر شمولية الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية، للحد من قدرات نظام بشار الأسد المالية والاقتصادية، وهو ما سيدفع حتمًا إلى تجفيف مصادر تمويل هذا النظام التي يستخدمها لاستمرار آلته العسكرية في قتل السوريين”.
وتابع: “بعيدًا من التهويل الكبير في أن القانون سيطيح بشار الأسد أو التقليل من أهمية القانون؛ فإن وضع القانون في سياقه الطبيعي هو خطوة أساسية وكبيرة جدًا، في إطار بناء منظومة كاملة من الأوضاع القانونية التي تتكامل مع غيرها من الخطوات باتجاه الدفع إلى محاسبة المجرم بشار الأسد وأركان نظامه، على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها”.
وتابع: “في رأيي، إن أهمّ ما يميز القانون هو ثلاث نقاط:
أنه سيمنع عمليًا إعادة إنتاج شرعية بشار الأسد، وسيحوله إلى بضاعة فاسدة غير قابلة لإعادة التدوير.
شمول العقوبات كل من يقدم دعمًا، لأي من القطاعات الاقتصادية الحيوية الستة التي شملها القانون، سيمنع بشار وحليفيه الروسي والإيراني من تحويل جرائمهم العسكرية التي ارتكبوها إلى نصر سياسي، أي أن القانون سيحبط محاولات روسيا باستثمار التقدم العسكري الذي حققته عبر ارتكاب جرائم الحرب واسعة النطاق وتثبيت أمر واقع يفضي إلى خلق معادلة سورية جديدة، والقانون -برأيي- أحبط هذه الجهود، وجعل كل الأعمال العسكرية التي قام بها نظام بشار وحليفيه الروسي والإيراني مجرد عنف لن يؤدي إلى تغيير الحقائق السياسية.
القانون في جوهره هو فرض عقوبات على روسيا وعلى إيران، وعلى كل جهة تحاول مساعدة المجرم بشار في الاستمرار، وهذا سيحوله إلى عبء كبير على داعميه، وهو نقطة مهمة جدًا، لأنه يعني عمليًا تحويل مشروع روسيا وإيران في سورية إلى مشروع خاسر”.